كَيفَ أَثَّرَت ثَقَافَةُ القَهوَةِ العَرَبِيَّةِ فِي بَارِيس؟
- Ben Slimane
- 20 مارس
- 2 دقائق قراءة
يُعتَبَرُ القَهوَةُ مِن أَكثَرِ المَشروباتِ شُيوعًا فِي العَالَمِ، وتَمتَلِكُ تَاريخًا عَرِيقًا يَرتَبِطُ بِالثَّقافَةِ العَرَبِيَّةِ. تَعودُ أُصولُ القَهوَةِ إِلَى القَرْنِ الخَامِسَ عَشَرَ فِي اليَمَنِ، حَيثُ استُخدِمَتْ مِن قِبَلِ الصُّوفِيِّينَ لِلمُساعَدَةِ عَلَى السَّهَرِ خِلالَ طُقُوسِهِم الدِّينِيَّةِ.

مِن اليَمَنِ، انْتَشَرَتِ القَهوَةُ إِلَى مَكَّةَ والمَدينَةِ، ثُمَّ إِلَى مِصرَ وسُورِيَا، حَيثُ أُنشِئَتِ المَقاهِي الَّتِي أَصبَحَتْ مَراكِزَ لِلتَّفاعُلِ الاجتِماعِيِّ والنِّقاشاتِ الفِكرِيَّةِ. فِي القَاهِرَةِ، عَلَى سَبِيلِ المِثالِ، أَصبَحَتِ المَقاهِي تُعرَفُ بِـ"مَدَارِسِ الحُكَمَاءِ" بِسَبَبِ دَورِهَا فِي تَجمِيعِ المُفَكِّرِينَ والمُثقَّفِينَ.
فِي القَرْنِ السَّادِسَ عَشَرَ، وَصَلَتِ القَهوَةُ إِلَى تُركِيَا، حَيثُ أُدخِلَتْ تَعدِيلاتٌ عَلَى طَرِيقَةِ تَحضِيرِهَا، مِمَّا أَدَّى إِلَى ظُهُورِ "القَهوَةِ التُّركِيَّةِ". مِن هُنَاكَ، انْتَشَرَتِ القَهوَةُ إِلَى أُورُوبَّا، وَفِي عامِ 1647، فُتِحَ أَوَّلُ مَقهًى فِي فِينِيسْيَا.
تَمتَدُّ أَهمِيَّةُ القَهوَةِ فِي الثَّقافَةِ العَرَبِيَّةِ إِلَى اللُّغَةِ نَفسِهَا، فَكَلمَةُ "قَهوَة" فِي العَرَبِيَّةِ كَانَتْ تُستَخدَمُ أَيضًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى النَّبِيذِ، وَيُعتَقَدُ أَنَّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ تَأتِي مِن تَأثِيرِ القَهوَةِ فِي كَبحِ الشَّهِيَّةِ.
بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، لَعِبَ العَرَبُ دَورًا مِحوَرِيًّا فِي تَطوِيرِ وَنَشرِ ثَقَافَةِ القَهوَةِ، جَاعِلِينَ مِنْهَا مَشروبًا عَالَمِيًّا يَربِطُ بَينَ الشُّعُوبِ وَالثَّقَافَاتِ.
ثَقَافَةُ المَقَاهِي فِي بَارِيس
تُعَدُّ ثَقافَةُ المَقاهِي جُزءًا أَصيلًا مِن هُوِيَّةِ بَارِيس، تَتَمَاثَلُ فِي أَهمِيَّتِهَا مَعَ شَوَارِعِهَا العَرِيضَةِ، وعِمَارَتِهَا الأَيقُونِيَّةِ، وَأَزيَائِهَا الرَّاقِيَةِ. فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِن المَدِينَةِ، تَجِدُ مَقَاهِي تَمتَدُّ طَاوِلَاتُهَا وَكَرَاسِيهَا إِلَى الأَرْصِفَةِ، بِخِدمَةِ نُدُلٍ مَاهِرِينَ يَستَقبِلُونَ الزُّوَّارَ طِوَالَ اليَومِ وَأَغْلَبِ اللَّيلِ. لِفَهمِ الثَّقَافَةِ البَارِيسِيَّةِ الحَقِيقِيَّةِ، يَجِبُ اسْتِكشَافُ مَقَاهِيهَا.
تَعودُ بَدَايَاتُ المَقَاهِي فِي بَارِيس إِلَى القَرْنِ السَّادِسِ عَشَرَ، عِندَمَا فُتِحَ "كَافِيه بْرُوكُوبْ" (Café Procope) لِأَوَّلِ مَرَّةٍ. مَعَ الزَّمَنِ، أَصبَحَتِ المَقَاهِي مَرَاكِزَ لِلكُتَّابِ وَالمُفَكِّرِينَ وَالسِّيَاسِيِّينَ، حَيثُ كَانُوا يَتَجَاذَبُونَ أَطْرَافَ الحَدِيثِ وَيَتَبَادَلُونَ الأَفْكَارَ الفَلْسَفِيَّةَ. مِن بَيْنِ رُوَّادِ هَذِهِ المَقَاهِي، الكَاتِبُ الأَمْرِيكِيُّ إِرنِسْت هِمنغوِي، وَالفَيلَسُوفُ وَالنَّاشِطُ السِّيَاسِيُّ جَان-بُول سَارْتْر، وَحَتَّى بَابْلُو بُيكَاسُو، الَّذِينَ اسْتَلْهَمُوا مِنَ الأَشْخَاصِ الَّذِينَ قَابَلُوهُمْ وَالمُحَادَثَاتِ الَّتِي دَارَتْ.
عَلَى الرَّغْمِ مِنَ التَّغَيُّرَاتِ الكَبِيرَةِ الَّتِي شَهِدَتْهَا بَارِيس مُنْذُ القَرْنِ السَّادِسِ عَشَرَ، تَبْقَى ثَقَافَةُ المَقَاهِي ثَابِتَةً. تَفْتَحُ أَغْلَبُ المَقَاهِي أَبْوَابَهَا فِي بَاكُورَةِ الصَّبَاحِ، تُقَدِّمُ الفُطُورَ (petit déjeuner) فِي الصَّبَاحِ، وَالمَشْرُوبَاتِ فِي فَتْرَاتِ مَا بَعْدَ الظُّهْرِ، وَالعَشَاءَ خِلَالَ المَسَاءِ (وَيَبْقَى الكَثِيرُ مِنْهَا مَفْتُوحًا حَتَّى بَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ). لِلحُصُولِ عَلَى التَّجْرِبَةِ الكَامِلَةِ، يُنْصَحُ بِالجُلُوسِ فِي التِّرَاسِ، وَالاسْتِمْتَاعِ بِفِنْجَانٍ مِنَ القَهْوَةِ بِالحَلِيبِ (café au lait) وَشَرِيحَةٍ مِنَ الخُبْزِ المَدْهُونِ (tartine)، وَقَضَاءِ بَعْضِ الوَقْتِ فِي مُرَاقَبَةِ المُشَاةِ.

مِنَ المَقَاهِي الأَكْثَرِ أَيِقُونِيَّةً فِي بَارِيس:
كَافِيه بْرُوكُوبْ - مقهى التقدُّم (Café Procope)
يُعْتَبَرُ أَقْدَمَ مَقْهًى فِي بَارِيس، تَأَسَّسَ فِي عَامِ 1686. كَانَ مَرْكَزًا لِلكُتَّابِ وَالمُفَكِّرِينَ، وَمِنْ بَيْنِ رُوَّادِهِ جَان-جَاكْ رُوسُّو وَفُولْتِير.

لِي دُو مَاغُو - المجسمانِ الاثنان (Les Deux Magots)
مَقْهًى تَارِيخِيٌّ آخَرُ، اشْتُهِرَ بِاسْتِقْبَالِهِ لِلكُتَّابِ وَالفَنَّانِينَ، مِثْلَ إِرنِسْت هِمنغوِي وَسَارْتْر.

مقهى فلورا، وهي إلهة الزهور والربيع في الأساطير الرومانية (Café de Flore)
مَعْلَمٌ بَارِيسيٌّ آخَرُ، مَعْرُوفٌ بِتَصْمِيمِهِ الدَّاخِلِيِّ الأَرْتْ دِيكُو، وَكَانَ مَقْصِدًا لِلكُتَّابِ وَالفَنَّ

دَلِيلُكَ السِّيَاحِيّ
في المرة القادمة التي تأتي فيها إلى باريس، يمكننا أن نمشي معًا إلى منطقة "لو ماريه" و"لو سانتييه"، حيث نستكشف حياة الباريسيين المحليين، ونرى العديد من المقاهي، والمأكولات، والمتاجر التقليدية والقديمة. سأريك مخابز صغيرة أصيلة وأماكن مملوكة لعائلات باريسية. يمكننا التحدث عن ثقافة المقاهي، وفي النهاية، مفاجأة بانتظارك: مختبر حقيقي للشوكولاتة، حيث يمكننا مشاهدة صاحب المكان وهو يصنع الشوكولاتة!

Comments